الآثار الاقتصادیة والسکانیة للأمراض المتوطنة والمنتشرة فی الأمصار الإسلامیة خلال العصور الإسلامیة الأولى
الملخص
تعرضت الدولة الإسلامیة وخلال القرنین الأول والثانی الهجریین لأنواع عدیدة من الأمراض المتوطنة کالملاریا والبلهارزیا والحصبة والحمى والسل والجذام ولا یخفى تأثیر هذه الأمراض على الإنسان وعلى الناتج الزراعی والحیوانی، وعلى الاقتصاد یشکل عام، ومن هذا المنطلق فان تأثیر الأمراض والأوبئة له انعکاس سلبی على جمیع نواحی الحیاة.وقد تعرضت کتب الجغرافیین العرب لذکر عدد من المناطق وأمراضها واعتقد الکثیر منهم إن هناک علاقة بین المناخ والأمراض وعبروا عن ذلک "بأمزجة البلدان وأهوائها" و " فساد الهواء"، وأشار یاقوت الحموی فی مقدمة معجمه إلى إن الأطباء فی حاجة إلى معرفة جغرافیة البلدان، وذلک بقوله: "ومن کمال المتطبب أن یتطلع إلى معرفة مزاجها وهوائها – یعنی البلدان – وصحة أو سقم منبتها ومائها، وصارت حاجتهم إلى ضبطها ضروریة وکشفهم عن حقائقها فلسفیة"، ولذلک صنف کثیر من المؤرخین کتباً فی الجغرافیة وأخرى فی أمزجة البلدان وأهوائها، وأشاروا إلى عدد کبیر من المناطق الموبوءة بالإمراض المتوطنة کما إن کثیرا منهم من فسر أسباب انتشارها.ولیس بخاف ما لبعض هذه الأمراض المتوطنة، کالملاریا والبلهارزیا وغیرهما من تأثیر کبیر على الشعوب والجماعات، فالسکان المصابون بالحمى والملاریا مثلا یتعرضون لحالات مرضیة سیئة جدا وینعکس ذلک على قدرتهم فی العمل والإنتاج لان قواهم منهکة وقدراتهم ضعیفة، هذا فضلا عن تأثیرهما على عوامل تحدید الزراعة وعدم التوسع فیها ولاسیما الملاریا، فالأمراض المتوطنة تکون أکثر خطورة واکبر أثرا فی المجتمع، ذلک لأنها متوطنة فی البیئة، ومستمرة فی التأثیر على سکان المنطقة لفترات زمنیة طویلة، ولهذا سنتناول فی هذه الصفحات دراسة لعدد من المناطق التی أشارت إلیها المصادر التاریخیة والجغرافیة والأدبیة والفقهیة وغیرها على أنها مواطن لهذه الأمراض .