العلاقات التیموریة المملوکیة بعد تیمورلنک ( 807- 856 هـ / 1405-1452م )
الملخص
شهدت العلاقات السیاسیة بین الدولة التیموریة والدولة المملوکیة فی مصر وبلاد الشام تحولاً کبیراً فی أعقاب وفاة تیمورلنک سنة 807هـ/ 1405م، واهم ما یمیز هذه العلاقة هو توازن القوى بین الدولتین، والتشابه فی الصفات الشخصیة لقیادتهما من حیث الشجاعة والرغبة فی التنافس على مناطق النفوذ، وتجنب الاصطدام المباشر، وقد جعل هذا التوازن العلاقات بین الدولتین تأخذ فی مظهرها العام طابع صراع سیاسی أدواته قوى محلیة لتثبیت سیادة کل منهما على هذه الأرض أو تلک، فهی اقرب ما تکون بحرب باردة تتنافس فیها الدولتان، ولکنهما تتجنبان الاصطدام العسکری المباشر إذا ما تعارضت مصالحهما، لتدفع بدلاً عنهما القوى التابعة لتحقیق أهدافهما المباشرة، واستغرق ذلک النصف الأول من القرن 9هـ/ 15م.
وقبل الخوض فی تفاصیل هذه العلاقة نجد أن الضرورة تقتضی أن نسلط الضوء على الوضع السیاسی الذی عاشته الدولتان فی أعقاب وفاة تیمورلنک، بإیجاز لیکون مدخلاً للموضوع.
فعلى مستوى الدولة التیموریة التی کانت تمتد حدودها من أطراف الصین شرقاً وحتى نهر الفرات غرباً ومن أطراف موسکو حتى نهر الکنج فی بلاد الهند، نجد أن هذه الدولة قد تقلص نفوذها لیقتصر على بلاد ما وراء النهر وخراسان وفارس وأذربیجان بعد وفاة تیمورلنک سنة 807هـ/ 1405م، لا بل إن هذه الأقالیم لم تتوحد إلا بعد حرب أهلیة اشتعلت نارها، فلم یکد تیمورلنک یوسد الثرى فی سمرقند، حتى انطلق ورثته یتحاربون من أجل الزعامة، وکان أولاده جمیعا قد ماتوا فی حیاته باستثناء شاهرخ الذی کان والده تیمور قد عینه والیاً على خراسان لأهمیة هذا الإقلیم، وبیر محمد بن جهانکیر حفید تیمور والیاً على الهند وکابل ووریثاً له .
والواقع أن أمراء البیت التیموری وأمراء الجیش الذین کانوا یتسابقون لتنفیذ أوامر سیدهم فی أثناء حیاته، کانوا أول من رفع رایة العصیان وأبوا الاعتراف لأی شخص بالسلطة فی أعقاب مماته، مبتدئین بذلک الحرب من اجل وراثة دولة تیمور، فعاشت فی اثر ذلک البلاد حالة من الفوضى والاضطراب ، وعندما رأى شاهرخ الذی کان موقفه من هذه الأحداث موقف المتفرج السلبی إن مصالح أسرته باتت مهددة بعد مقتل الوریث الشرعی ابن أخیه بیر محمد سنة 809هـ/ 1407م وسیطرة الأمیرین الثائرین خدا دادا وشیخ نور الدین على العاصمة سمرقند، عند ذاک انطلق بجیوشه من خراسان لیطارد خصوم ابن أخیه، وبعد سلسلة من الحروب دخل سمرقند وذلک سنة 814هـ/ 1411م، وفیها اجتث شاهرخ بقایا أعداء أسرته ، لیصبح بعد هذا النصر سیداً على معظم أملاک أبیه التی تمکن من استعادتها باستثناء العراق وشرق الأناضول بما فیه إقلیم الجزیرة الفراتیة ، فجاهد لاستعادتهما، وکان ذلک سبباً للصراع المملوکی التیموری، إذ کان الممالیک ینظرون إلى هذه المنطقة على أنها تقع ضمن مناطق نفوذهم وهذا ما سنتناوله بالدراسة.