نتیجة للغزو الصلیبی لبلاد الشام ، ظهر حکام مسلمون تمکنوا - بما یتمتعون به من مقدرة و کفاءة - أن یحتلوا مرکز القیادة لمنطقة الشام أو لبعض مدنه وان یتزعموا الجبهة الموحدة التی یکونوها مما یمکنهم توحیده من بلاد مصر والشام وبلاد الجزیرة ، نظرا لضعف السلطة المرکزیة فی بغداد من ناحیة وامکانیة أولئک الزعماء فی اکتشاف امنیات امنهم فی الوحدة والتحریر من ناحیة ثانیة . و لذلک فلم یکن من الغریب أن یصل إلى القیادة من سائر الممالیک من یستطیع اکتشاف اهداف شعبه ویعمل على تحقیقها .
و ماسیف الدین قلاوون الا واحد من أولئک الزعماء الذین تطلعوا بعمق إلى أهداف امتهم فی التصدی للصلیبیین وتحریر بلاد الشام من سیطر مهم و عمل على تحقیقها کما حققها من قبله نور الدین محمود زنکی (ت 569 هـ/ 1174م) وصلاح الدین الایوبی (۱۸۹ھ / ۱۱۹۳م) اللذین نالا بفضل تصدیهم للصلیبیین اعجاب الامة الاسلامیة .
ولما کانت محاربة الصلیبیین لاتتأتی بالعمل البطولی الارتجالی وحده ، بل بالوحدة و ببناء الجبهة الداخلیة اولا ، وباعداد العدة ثانیا . لذلک فقد شمل موضوع البحث فقرتین ، کانت الأولى فی ماهیة السیاسة التی اتبعها قلاوون فی سبیل بناء الجبهة الداخلیة ، على حین شملت الفقرة الثانیة موقفه من الصلیبیین والخطوات التی اتبعها فی وقف هجماتهم على بلاد الشام وخططه العسکریة والدبلوماسیة فی صد ذلک الهجوم .
وقد عمدت إلى بحث هذا الموضوع نظرا لان ماوجدته فی المکتبة العربیة من بحوث فی هذا الباب لم یف بالغرض المطلوب خاصة وأن البحث فی موضوع الحروب الصلیبیة یعتبر من المواضیع الهامة ، لأن الأمة العربیة الیوم لاتزال تغزی من الغرب الاستعماری ، کما کانت تغزى من قبل الغرب الصلیبی . ولذلک فدراسة اسباب الغزوات التی واجهتها أمتنا سابقا والاطلاع على مواقفهم
وحلولهم لها ، ربما یفید فی القاء الضوء على مشاکلنا المعاصرة ویدفع بنا إلى التعرف على العوامل التی مکنت أولئک القادة ومنهم سیف الدین قلاوون من الانتصار على اولئک الغزاة الذین کانوا یستهدفون القضاء على الوجود الإسلامی فی منطقة الشام ، لان من أهم نتائج دراستنا للتاریخ ، کسب العبرة والافادة منها | فی تصحیح خطوات الحاضر.
ظهرت فکرة الاستعانة بالممالیک منذ عهد الخلیفة العباسی المأمون ثم استعان بهم المعتصم بشکل أکثر اذ جلب فرقا کبیرة من الترکمان التدعیم سطانه . ولما تأسست الدولة الإخشیدیة فی مصر جعل محمد بن طغج جیشه من الاتراک ومن الدیلم ، ولما آلت السلطة الى الایوبیین أکثروا من شراء الممالیک الترک حتى اصبحوا أعدادا کبیرة داخل مصر وکانت لهم ممیزاتهم الخاصة وأرستقراطیتهم المتمیزة فی المجتمع .