التّعدّد الصّوتي في رواية شرفات بحر الشّمال لواسيني الأعرج

"ظاهرة التّعدّد الصّوتي والأسلوبي" من المفاهيم الحديثة الّتي دخلت إلى الرّواية العربيّة، فتبنّاها الرّوائيّون المعاصرون، لتجسيد أفكارهم في قالب حرّ يحاكي نوعًا من ديمقراطيّة السّرد، واطلاق العنان لكلّ شخصيّة، لتجسّد أسلوبها وحضورها في عالم الرّواية. وهذا ما يعدّ نقلة نوعيّة في حياة الإبداع الرّوائيّ، تحمل الكثير من واقعيّة الخطاب الأدبيّ، بأن تكون كلّ شخصيّة حاضرة بلسانها وخصالها الاجتماعيّة والفردية والنّفسية، تعبّر بلهجتها عن حالها، ما يخلق تنوع الأصوات داخل الرّواية الّتي تتباين وجهة نظر شخصيّاتها في التّعبير عن الأهداف الّتي تسعى إلى بلوغها، لتصبح الرّواية قريبة من لغة الحياة الاجتماعيّة اليوميّة بأصوات شخصيّاتها المنوعة الّتي تعكس تنوع الواقع. وهذا تمامًا ما ذهب إليه الكاتب "واسيني الأعرج" في روايته "شرفات بحر الشّمال"، الّتي لجأ فيها إلى مفهوم التّعدد على صعيد البنى السّرديّة الّتي مزج فيها بين الواقعيّ اليوميّ والأسطوري الوهمي، بلسان شخصيّات وظّفها لغايات متنوعة في مزيجه الرّوائيّ الشّعريّ، حيث الوطن والمنفى، الحبّ والفتنة، المعاناة والتّأقلم؛ ليجمع في خطابه الرّوائي بين "أنا" الجزائري" والآخر الأوروبي في توظيف مجتمعي للحكاية، كانت فيه الشّخصيّات ابنة مجتمعاتها. وهذا ما أظهره الكاتب الّذي حاكى الواقع بلسان شخصيّاته ولهجاتها، فجاء التّعدد الصّوتي مقاربًا لواقعيّة الحدث الرّوائي. وعليه؛ يفتح هذا البحث الباب على دراسة مزجيّة لرواية حديثة، تعددت فيها الأصوات والأساليب اللّغوية، لتخرجها برؤية سردية جديدة، وهذا ما نسعى إلى اكتشافه بتتبع أسلوبيّة الكاتب وحرية قلمه في اطلاق العنان لشخصيّاته لتعبر عن ذاتها، ولرصد حوار هذه الشّخصيّات مع الآخر، وكيفية نطق كلّ واحدة منها بمفاهيم لغوية مختلفة مكتسبة من عالمها ومجتمعها، لنكون أمام توضيح لمفهومي التّهجين والأسلبة المتبع في "شرفات بحر الشمال"، لتحليل رّؤية المنظومة الصّوتية المتعددة فضلاً عن البنى الاسلوبية لكل صوت داخل الرواية معتمدين على المنهج السّردي والمنهج الأسلوبيّ، لنهتدى إلى تحقيق أهداف وغاية الدّراسة. ويبقى لنا إن نقول أنّ في تجربتنا البحثيّة هذه مغامرة جديدة في قعر محيط أسلوبيّ عماده لغة الكاتب في المقام الأوّل، وكيفيّة توظيف الأصوات المختلفة في بناء رواية "شرفات بحر الشّمال".